فصل: ثانياً: السّلم بمعنى المصالحة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


ِسَلْم

التّعريف

1 - السّلم‏:‏ بفتح السّين وكسرها‏:‏ الصّلح يذكّر ويؤنّث‏.‏

والسّلم‏:‏ المسالم، يقال‏:‏ أنا سلم لمن سالمني‏.‏

والتّسالم‏:‏ التّصالح، والمسالمة‏:‏ المصالحة‏.‏ ويأتي السّلم بمعنى الإسلام ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً‏}‏‏.‏

قالوا‏:‏ الإسلام‏:‏ إظهار الخضوع وإظهار الشّريعة، والتزام ما أتى به النّبيّ صلى الله عليه وسلم وبذلك يحقن الدّم ويستدفع المكروه‏.‏

والسّلم‏:‏ في حقيقته الشّرعيّة لا يبعد عن حقيقته اللّغويّة، ولذا قالوا‏:‏ هو الصّلح، خلاف الحرب، أو هو‏:‏ ترك الجهاد مع الكافرين بشروطه‏.‏

قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ‏}‏‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الهدنة‏:‏

2 - المهادنة‏:‏ المسالمة - وتسمّى‏:‏ الموادعة، والمعاهدة‏.‏

وشرعاً‏:‏ مصالحة أهل الحرب على ترك القتال مدّةً معيّنةً بعوض أو غيره‏.‏

ب - الأمان‏:‏

3 - الأمان في اللّغة‏:‏ عدم توقّع مكروه في الزّمن الآتي‏.‏

وشرعاً‏:‏ رفع استباحة دم الحربيّ، ورقّه، وماله، حين قتاله، أو الغرم عليه، مع استقراره تحت حكم الإسلام مدّةً ما‏.‏

ج - الذّمّة‏:‏

4 - الذّمّة في اللّغة‏:‏ العهد والأمان‏.‏

وعند الفقهاء‏:‏ التزام تقرير الكفّار في ديارنا وحمايتهم، والذّبّ عنهم، ببذل الجزية‏.‏ الموسوعة ‏(‏7 /121‏)‏‏.‏

د - المعاهدة‏:‏

5 - وهي المعاقدة والمحالفة‏.‏ والمعاهد‏:‏ من كان بينك وبينه عهد‏.‏

قال ابن الأثير أكثر ما يطلق في الحديث على أهل الذّمّة، وقد يطلق على غيرهم من الكفّار إذا صولحوا على ترك الحرب مدّةً ما‏.‏

و - الموادعة‏:‏

6 - وهي المصالحة والمسالمة على ترك الحرب والأذى، وحقيقة الموادعة المتاركة، أي يدع كلّ واحد منهما ما هو فيه‏.‏

الحكم الإجماليّ

أوّلاً‏:‏ السّلم بمعنى الإسلام

7 - السّلم المطلق الّذي يكون بأصل الملّة‏.‏ غير ناشئ عن عقد، ولا يكون إلاّ للمسلم بأصل النّشأة، أو بالدّخول في الإسلام‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ إسلام، الموسوعة 4 /259 - 273‏)‏‏.‏

ثانياً‏:‏ السّلم بمعنى المصالحة

8 - وهو الّذي يكون عقدًا بين المسلمين وغيرهم من الكفّار ويتنوّع إلى أنواع‏:‏

النّوع الأوّل‏:‏ ما كان مؤبّداً‏.‏ وهو عقد الذّمّة‏.‏

والمقصود به‏:‏ إقرار بعض الكفّار على كفرهم في ديار الإسلام بشرط بذل الجزية، والتزام أحكام الإسلام الدّنيويّة‏.‏ ولتفصيل ذلك انظر‏:‏ ‏(‏أهل الذّمّة - الموسوعة 7 /120 - 139 - جزية الموسوعة 15 /149، 207‏)‏‏.‏

النّوع الثّاني‏:‏ ما كان مؤقّتاً‏.‏ ويأتي في صورتين‏:‏

الأولى‏:‏ عقد الهدنة‏:‏

9 - الأصل فيها‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ‏}‏‏.‏

وقد أجمع الفقهاء على جواز المهادنة متى كانت في ذلك مصلحة للمسلمين‏.‏

لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ‏}‏‏.‏

فأمّا إذا لم يكن في الموادعة مصلحة فلا يجوز بالإجماع‏.‏

وقال صاحب روض الطّالب‏:‏ الأصل فيها - قبل الإجماع - قوله تعالى‏:‏ ‏{‏بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ‏}‏‏.‏

«ومهادنته صلى الله عليه وسلم قريشاً عام الحديبية» وهي جائزة لا واجبة‏.‏

وقال ابن العربيّ‏:‏ فإذا كان المسلمون على عزّة ومنعة وقوّة وجماعة عديدة وشدّة شديدة فلا صلح‏.‏

وإن كان للمسلمين مصلحة في الصّلح لنفع يجتلبونه، أو ضرر يدفعونه فلا بأس أن يبتدئ المسلمون إذا احتاجوا إليه‏.‏

وقد «صالح رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أهل خيبر على شروط نقضوها فنقض صلحهم في عهد عمر وقد صالح الضّمريّ، وأكيدر دومة - وأهل نجران وقد هادن قريشاً لعشرة أعوام حتّى نقضوا عهده»‏.‏

وما زالت الخلفاء والصّحابة رضي الله عنهم على هذه السّبيل‏.‏

وانظر للتّفصيل ‏(‏هدنة، صلح، ومعاهدة‏)‏‏.‏

الصّورة الثّانية من عقد السّلم المؤقّت‏:‏

عقد الأمان‏:‏

10 - وهو عقد غير لازم، قابل للنّقض بشروطه، وحكمه الجواز مع شرط انتفاء الضّرر - وإن لم يظهر المصلحة فيه على ما ذهب إليه المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة، خلافاً للحنفيّة الّذين يشترطون‏:‏ أن تكون فيه مصلحة ظاهرة للمسلمين‏.‏

ومن الفروق الظّاهرة بين عقد الأمان وعقد الهدنة أنّه لا تجوز الهدنة إلاّ بعقد الإمام أو نائبه، أمّا الأمان فإنّه يجوز من الإمام ومن جماعة من المسلمين ومن آحادهم ولو من امرأة عند جمهور الفقهاء‏.‏ وقال ابن الماجشون من المالكيّة‏:‏ إنّ أمان المرأة والعبد والصّبيّ لا يجوز ابتداءً، ولكن إن وقع يمضي إن أمضاه الإمام وإن شاء ردّه‏.‏

وقد فصّل الفقهاء أحكامه في أبواب السّير والجهاد انظر مصطلح ‏(‏أمان‏)‏ من الموسوعة

‏(‏6 /233 - 235‏)‏‏.‏

الدّعوة إلى السّلم مع أهل الحرب

11 - الدّعوة إلى السّلم مع الكفّار وموادعتهم ومهادنتهم من قبل إمام المسلمين جائزة إن كان في ذلك مصلحة تعود على المسلمين‏.‏ فقد ذكر الحنفيّة أنّ الإمام إذا رأى أن يصالح أهل الحرب أو فريقاً منهم وكان ذلك مصلحةً للمسلمين فلا بأس به لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ‏}‏ «ووادع رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - أهل مكّة عام الحديبية على أن يضع الحرب بينه وبينهم عشر سنين»‏.‏

ولأنّ الموادعة جهاد معنىً إذا كان خيراً للمسلمين لأنّ المقصود وهو دفع الشّرّ حاصل بهما، ولا يقتصر الحكم على المدّة المرويّة لتعدّي المعنى إلى ما زاد عليها، بخلاف ما إذا لم تكن الموادعة خيراً، لأنّها ترك الجهاد صورةً ومعنىً، وإن صالحهم مدّةً ثمّ رأى نقض الصّلح أنفع نبذ إليهم وقاتلهم ‏;‏ لأنّ المصلحة لمّا تبدّلت كان النّبذ جهاداً، وإيفاء العهد ترك الجهاد صورةً ومعنىً ولا بدّ من النّبذ تحرّزاً عن الغدر وقد «قال عليه السلام في العهود‏:‏ وفاء لا غدر» ولا بدّ من اعتبار مدّة يبلغ فيها خبر النّبذ إلى جميعهم ويكتفى في ذلك بمضيّ مدّة يتمكّن ملكهم بعد علمه بالنّبذ من إنفاذ الخبر إلى أطراف بلاده، لأنّ بذلك ينتفي الغدر‏.‏

12 - ذكر المالكيّة والشّافعيّة لذلك شروطاً‏:‏

الأوّل‏:‏ أن يكون العاقد لها الإمام أو نائبه بخلاف الأمان فإنّه يصحّ ولو من آحاد النّاس‏.‏ الثّاني‏:‏ أن يكون ذلك لمصلحة كالعجز عن القتال مطلقاً أو في الوقت، مجّاناً أو بعوض، فإن لم تظهر المصلحة بأن ظهر المسلمون عليهم لم يجز‏.‏

الثّالث‏:‏ أن يخلو عقدها عن شرط فاسد وإلاّ لم يجز كشرط بقاء مسلم أسير بأيديهم أو بقاء قرية للمسلمين خاليةً منهم وأن يأخذوا منّا مالاً إلاّ لخوف منهم فيجوز كلّ ما منع‏.‏

الرّابع‏:‏ وهو للمالكيّة خاصّةً‏:‏ عدم تحديد مدّتها بطول أو قصر بل يترك ذلك لاجتهاد الإمام وبقدر الحاجة ولا يطيل لما قد يحدث من قوّة الإسلام‏.‏

وخالف الشّافعيّة في الشّرط الرّابع فهو عندهم كما في الرّوضة أن يقتصر على المدّة المشروعة‏.‏

ثمّ لا يخلو إمّا أن يكون بالمسلمين ضعف أو لا يكون‏.‏ فإن لم يكن ورأى الإمام المصلحة في الهدنة هادن أربعة أشهر فأقلّ ولا يجوز أكثر من سنة قطعاً، ولا سنةً على المذهب، ولا ما بينهما وبين أربعة أشهر على الأظهر‏.‏

وإن كان بالمسلمين ضعف جازت الزّيادة إلى عشر سنين بحسب الحاجة، ولا تجوز الزّيادة على العشر، لكن إن انقضت المدّة والحاجة باقية، استؤنف العقد‏.‏

13 - وجوّز الحنابلة مهادنة الكفّار عند المصلحة ولو بمال يدفعه المسلمون للكفّار ضرورةً مثل أن يخاف على المسلمين الهلاك أو الأسر، لأنّه يجوز للأسير فداء نفسه بالمال فكذا، هنا وجاز تحمّل صغار لدفع صغار أعظم منه وهو القتل أو الأسر وسبي الذّرّيّة المفضي إلى كفرهم‏.‏

قال الزّهريّ‏:‏ «أرسل رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - إلى عيينة بن حصن وهو مع أبي سفيان يعني يوم الأحزاب أرأيت إن جعلت لك ثلث ثمر الأنصار أترجع بمن معك من غطفان أو تخذّل بين الأحزاب‏؟‏ فأرسل إليه عيينة إن جعلت الشّطر فعلت»، ولولا أنّ ذلك جائز لما بذله النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأن تكون المدّة فيها معلومةً، لأنّ ما وجب تقديره وجب أن يكون معلوماً كخيار الشّرط، ولو فوق عشر سنين لأنّها تجوز في أقلّ من عشر فجازت في أكثر منها كمدّة الإجارة، ولأنّه إنّما جاز عقدها للمصلحة فحيث وجدت جاز عقدها تحصيلاً للمصلحة، وإن هادنهم مطلقًا بأن لم يقيّد بمدّة لم يصحّ‏.‏ لأنّ الإطلاق يقتضي التّأبيد وذلك يفضي إلى ترك الجهاد بالكلّيّة وهو غير جائز أو هادنهم معلّقاً بمشيئة كما شئنا أو شئتم أو شاء فلان أو ما أقرّكم اللّه عليه لم يصحّ كالإجارة ولجهالة المدّة‏.‏

14 - قال القرطبيّ‏:‏ واختلف العلماء في حكمها، فقيل‏:‏ إنّها ناسخة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا‏}‏ لأنّ اللّه تعالى منع من الميل إلى الصّلح إذا لم يكن بالمسلمين حاجة إلى الصّلح‏.‏ وقيل‏:‏ منسوخة بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا‏}‏‏.‏

وقيل‏:‏ هي محكمة‏.‏ والآيتان نزلتا في وقتين مختلفي الحال‏.‏

وقيل‏:‏ إنّ قوله تعالى ‏{‏وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا‏}‏ مخصوص في قوم بأعيانهم، والأخرى عامّة‏.‏

فلا يجوز مهادنة الكفّار إلاّ عند الضّرورة، وذلك إذا عجزنا عن مقاومتهم لضعف المسلمين‏.‏

سَماد

التّعريف

1 - السّماد ما تسمّد به الأرض، من سمّد الأرض‏:‏ أي أصلحها بالسّماد‏.‏

وتسميد الأرض‏:‏ أن يجعل فيها السّماد‏.‏

والسّماد ما يطرح في أصول الزّرع والخضر من تراب وسرجين، ونحو ذلك ليجود نباته‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الحكم الإجماليّ

أ - الحكم بطهارة السّماد ونجاسته‏:‏

2 - الأسمدة المتّخذة من رجيع الحيوانات الّتي لا يؤكل لحمها من غير الطّيور لا خلاف بين الفقهاء في نجاستها‏.‏

أمّا الأسمدة المتّخذة من ذرق الطّيور ممّا لا يؤكل لحمها، وهي كلّ ذي مخلب كالشّاهين والبازي، فهي نجسة عند الجمهور‏.‏ وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى طهارتها‏.‏

أمّا الأسمدة المتّخذة من رجيع الحيوانات الّتي يؤكل لحمها فاختلفوا فيها‏.‏

فذهب المالكيّة والحنابلة وزفر من الحنفيّة ورواية عن محمّد أيضاً إلى أنّها طاهرة مطلقاً، سواء من الطّيور أو سائر الحيوانات وهذا قول عند الشّافعيّة أيضاً، أورده النّوويّ في الرّوضة‏.‏

وقيّد المالكيّة طهارة سماد ما يؤكل لحمه بعدم أكله للنّجاسات، فإن أكل نجساً فسماده نجس عندهم أيضاً‏.‏

والمذهب عند الشّافعيّة وفي رواية عن أحمد أنّ رجيع جميع الحيوانات، سواء المأكولة لحومها أم غير المأكولة من طيور أو غيرها نجس‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى مثل ذلك ما عدا زفر ومحمّداً إلاّ أنّهم استثنوا ذرق ما يؤكل لحمه من الطّيور لعموم البلوى وعدّوه من المعفوّ عنه‏.‏

وهناك أقوال في المسألة ينظر تفصيلها في مصطلح ‏(‏روث، عذرة، زبل، نجاسة‏)‏‏.‏

حكم التّسميد بالنّجاسة والأكل من ثمار الأشجار المسمّدة بها

3 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّ من الطّاهر الزّرع الّذي سقي بنجس أو نبت من بذر نجس وظاهره نجس فيغسل قبل أكله وإذا سنبل فحبّاته الخارجة طاهرة قطعاً ولا حاجة إلى غسلها، وهكذا القثّاء والخيار وشبيههما يكون طاهراً ولا حاجة إلى غسله‏.‏

واستثنى الشّافعيّة روث الكلب والخنزير فلم يجيزوا التّسميد بأيّ منهما‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّه يجوز التّسميد بالنّجاسات والزّروع المسقيّة بالنّجاسات لا تحرم ولا تكره‏.‏

وظاهر مذهب الحنابلة تحرم الزّروع والثّمار الّتي سقيت بالنّجاسات أو سمّدت بها‏.‏ لما روي عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال‏:‏ «كنّا نكري أراضي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ونشترط عليهم أن لا يدملوها بعذرة النّاس» ولأنّه تترك أجزاء النّبات بالنّجاسة والاستحالة لا تطهّر النّجس عندهم‏.‏ وقال ابن عقيل‏:‏ يحتمل أن يكره ذلك ولا يحرم ولا يحكم بتنجيسها لأنّ النّجاسة تستحيل في باطنها فتطهر بالاستحالة كالدّم يستحيل في أعضاء الحيوان لحماً ويصير لبناً، وكان سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه يدمل أرضه بالعرّة ويقول‏:‏ مكتل عرّة مكتل برّة والعرّة عذرة النّاس‏.‏ أ هـ‏.‏

ب - بيع السّماد‏:‏

4 - ذهب الحنفيّة إلى جواز بيع السّماد سواء أكان من المأكولة لحومها أم من غيرها وكرهوا بيع العذرة ‏"‏ رجيع بني آدم ‏"‏ خالصةً بخلاف ما خلط منها بالتّراب أو الرّماد فلا كراهة‏.‏

وفصّل المالكيّة والحنابلة في المسألة وقالوا‏:‏ بجواز بيع الزّبل والسّرقين والأسمدة الطّاهرة كخرء الحمام، وخثي البقر وبعر الإبل ونحوها‏.‏

أمّا الأسمدة النّجسة فيحرم بيعها عند الحنابلة لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّ اللّه إذا حرّم على قوم أكل شيء حرّم عليهم ثمنه» وهذا ظاهر مذهب المالكيّة أيضاً حيث أوردوا في باب البيع‏:‏ أنّه لا يصحّ بيع ما هو نجاسة أصليّة أو لا يمكن طهارته كزبل من غير مباح وذلك لاشتراطهم الطّهارة في البيع لكن العمل عند المالكيّة على جواز بيع الزّبل ‏(‏الأسمدة‏)‏ غير المتّخذة من عذرة بني آدم وذلك للضّرورة‏.‏

أمّا الشّافعيّة فقد ذهبوا إلى عدم جواز بيع الأسمدة مطلقًا سواء أكانت من المأكول اللّحم أم من غيره لأنّه نجس ولا يصحّ بيع النّجس سواء أمكن تطهيره بالاستحالة كجلد الميتة أم لم يمكن تطهيره كسرجين وأسمدة وغيرها‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ نجاسة‏)‏‏.‏

ج - السّماد في المزارعة أو المساقاة ونحوها‏:‏

5 - ذهب الجمهور إلى أنّ كلّ شرط ليس من أعمال الزّراعة إذا اشترطه المالك يفسد المزارعة ومن ذلك تسميد الأرض بالزّبل فشراء ذلك على ربّ المال لأنّه ليس من العمل فجرى مجرى ما يلقّح به، وتفريق ذلك في الأرض على العامل كالتّلقيح‏.‏ فإن شرطا ذلك كان تأكيداً‏.‏ أمّا إن شرط على أحدهما شيئاً ممّا يلزم الآخر كاشتراط شراء السّماد على العامل، فقال القاضي وأبو الخطّاب لا يجوز ذلك لأنّه شرط يخالف مقتضى العقد فأفسده كالمضاربة إذا شرط العمل فيها على ربّ المال‏.‏

وزاد الحنفيّة قولهم‏:‏ كلّ شرط ينتفع به ربّ الأرض بعد انقضاء المدّة يفسدها كطرح السّرقين ‏"‏ السّماد ‏"‏ في الأرض‏.‏

سَماع

التّعريف

1 - السّماع‏:‏ مصدر سمع، وسمع له يسمع سَمعاً وسِمعاً وسماعاً ومن معانيه‏:‏

أ - الإدراك‏:‏ يقال‏:‏ سمع الصّوت سماعاً إذا أدركه بحاسّة السّمع فهو سامع، ومنه السّماع بمعنى استماع الغناء والآلات المطربة وقد يطلق على الغناء ذاته‏.‏

ب - ومنها الإجابة‏:‏ كما في أدعية الصّلاة‏:‏ ‏"‏ سمع اللّه لمن حمده ‏"‏ أي‏:‏ أجاب من حمده وتقبّله منه‏.‏

ج - ومنها الفهم‏:‏ يقال‏:‏ ‏"‏ سمعت كلامه إذا فهمت معنى لفظه ‏"‏‏.‏

د - القبول‏:‏ مثل سمع عذره إذا قبل، وسمع القاضي البيّنة قبلها،وسمع الدّعوى لم يردّها‏.‏ ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن هذه المعاني اللّغويّة‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الاستماع‏:‏

2 - السّماع يكون بقصد وبغير قصد في حين لا يكون الاستماع إلاّ بقصد، ويكون السّماع اسمًا للمسموع فيقال للغناء سماع‏.‏

ب - الإنصات‏:‏

3 - الإنصات هو السّكوت وترك اللّغو من أجل السّماع والاستماع ‏(‏ر‏:‏ استماع‏)‏، وقد أورد اللّه تعالى الكلمتين بهذا المعنى في قوله - جلّ ذكره -‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ‏}‏ والمعنى حسبما نصّ على ذلك أهل اللّغة والتّفسير -‏:‏ ‏"‏ إذا قرأ الإمام فاستمعوا إلى قراءته ولا تتكلّموا ‏"‏ كما وردتا معاً في أحاديث نبويّة كثيرة، ووردتا كذلك في قول عثمان بن عفّان - فيما رواه مالك - إذا قام الإمام يخطب يوم الجمعة فاستمعوا وأنصتوا‏.‏

ج - الإصغاء‏:‏

4 - هو أن يجمع إلى حسن السّماع الاستماع مبالغةً في الإنصات، لما تتضمّنه هذه الصّيغة من دلالة على أنّ المستمع قد أمال سمعه أو أذنه إلى المتكلّم أو مصدر الصّوت حتّى ينقطع عن كلّ شيء يشغله عنه‏.‏

د - الغناء‏:‏

5 - الغناء بالمدّ - لغةً‏:‏ صوت مرتفع متوال، وقال ابن سيده‏:‏ الغناء - من الصّوت ما طرب به‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ عرّفه القرطبيّ في كتابه‏:‏ كشّاف القناع‏:‏ أنّه رفع الصّوت بالشّعر وما يقاربه من الرّجز على نحو مخصوص‏.‏ فالغناء نوع من السّماع‏.‏

والتّغبير‏:‏ ضرب من الغناء يذكّر بالغابرة وهي الآخرة‏.‏ والمُغبِّرة قوم يُغَبِّرون بذكر اللّه تعالى بدعاء وتضرّع، وقد أطلق عليهم هذا الاسم لتزهيدهم النّاس في الفانية وهي الدّنيا وترغيبهم في الباقية وهي الآخرة، وهو من ‏(‏غَبَرَ‏)‏ الّذي يستعمل للباقي كما يستعمل للماضي، وقد كرهه الإمام الشّافعيّ لأنّه يلهي عن القرآن واعتبره من عمل الزّنادقة، وقال فيه الشّيخ ابن تيميّة‏:‏ إنّه من أمثل أنواع السّماع ومع ذلك كرهه الأئمّة فكيف بغيره‏.‏

الحكم الإجماليّ

حكم صلاة الجماعة والجمعة في حقّ من يسمع الأذان

6 - اختلف الفقهاء فيمن سمع الأذان للصّلوات الخمس، ما عدا الجمعة فذهب بعضهم‏:‏ إلى وجوب حضورها، وذهب آخرون إلى أنّ ذلك غير متعيّن بل هي فرض على الكفاية وذهب غيرهما إلى أنّها سنّة مؤكّدة وأمّا الجمعة فحضورها فرض عين بشروطه، وينظر التّفصيل في ‏(‏صلاة الجماعة، وصلاة الجمعة‏)‏‏.‏

ما يقوله سامع الأذان

7 - يسنّ لمن سمع الأذان أن يقول مثلما يقول المؤذّن للأحاديث الصّحيحة الواردة في ذلك ومنها قوله - عليه الصلاة والسلام - «إذا سمعتم النّداء فقولوا مثل ما يقول المؤذّن»‏.‏ وفي رواية‏:‏«إلاّ في حيّ على الصّلاة، حيّ على الفلاح فقولوا‏:‏ لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه»‏.‏ فإذا تمّ الأذان يسنّ للسّامع أن يطلب الوسيلة والفضيلة لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم لحديث جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «من قال حين يسمع النّداء‏:‏ اللّهمّ ربّ هذه الدّعوة التّامّة والصّلاة القائمة آت محمّداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الّذي وعدته - حلّت له شفاعتي يوم القيامة»‏.‏

وانظر ‏(‏أذان‏)‏‏.‏

إسماع المصلّي قراءة نفسه

8 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ أقلّ ما يجزئ في حالة الإسرار قراءة مسموعة يسمعها نفسه لو كان سميعاً مثلما هو مقرّر في التّكبير لأنّ ما دون ذلك ليس عندهم بقراءة‏.‏

ونصّ المالكيّة على أنّ المطلوب في حالة الإسرار أن يسمع المصلّي قراءته نفسه دون غيره ويمكن أن يكتفي فيها - عندهم - بتحريك اللّسان بالقرآن دون أن يلزم بإسماع نفسه، قال ابن القاسم‏:‏ ‏"‏ تحريك لسان المسرّ فقط يجزئه ولو أسمع أذنيه كان أحبّ إليّ‏.‏ ولا يجزئ ما دون ذلك كالقراءة بالقلب، لأنّ تحريك اللّسان شرط أدنى في صحّة القراءة‏.‏

قال ابن القاسم‏:‏ كان مالك لا يرى ما قرأ به الرّجل في الصّلاة في نفسه ما لم يحرّك به لسانهقراءةً وبناءً على ذلك نقل عن شيوخ المالكيّة أنّ من حلف أن لا يقرأ فقرأ بقلبه لم يحنث‏.‏ وأنّ الجنب يجوز له أن يقرأ القرآن بقلبه ما لم يحرّك به لسانه ‏"‏‏.‏

أمّا حالة الجهر - فإنّ أدنى ما يطلب من المصلّي فيها أن يسمع نفسه ومن يليه ولا حدّ لأعلاه خاصّةً إذا كان إماماً إذ عليه أن يبالغ في رفع صوته بقدر ما يسمع المأمومين لأنّهم مطالبون بالاستماع والإنصات له دون القراءة‏.‏ وينظر مصطلح ‏(‏صلاة الجماعة‏)‏‏.‏

أمّا المرأة فدون الرّجل في الجهر إذ عليها أن تسمع نفسها خاصّةً مثلما هو مقرّر في حقّها بالنّسبة للتّلبية وبذلك يكون أعلى جهرها وأدناه واحدًا فيستوي في حقّها الحالتان‏.‏

سماع خطبة الجمعة لمن تنعقد بهم

9 - ذهب الحنفيّة، والمالكيّة، والحنابلة، والأوزاعيّ، إلى وجوب سماع الخطبة لمن تنعقد بهم‏.‏

ومذهب الشّافعيّة، وعروة بن الزّبير، وسعيد بن جبير، والشّعبيّ، والنّخعيّ، والثّوريّ، وهو إحدى الرّوايتين عن أحمد إلى أنّ ذلك سنّة‏.‏

انظر‏:‏ مصطلحي ‏(‏استماع، وصلاة الجمعة‏)‏‏.‏

السّجود لسماع‏:‏ آي السّجدة

10 - يترتّب سجود التّلاوة على استماع آية من آياته على خلاف بين الأئمّة في حكمه‏.‏ وينظر التّفصيل في مصطلح ‏(‏سجود التّلاوة‏)‏‏.‏

سماع الدّعوى

11 - سماع الدّعوى - في عرف الفقهاء - لا يكون إلاّ من القاضي أو ممّن يقوم مقامه‏.‏ وهم يريدون بهذا السّماع أمرين متتاليين‏:‏

الأوّل‏:‏ الإنصات والإصغاء إليها لاستيعابها وإدراك خفاياها عند رفعها إليه من المدّعي أو وكيله حيث نصّوا على أنّ السّماع هنا يجب أن يكون كاملاً شاملاً محصّلاً للفهم الصّحيح الّذي أمر به عمر بن الخطّاب أبا موسى الأشعريّ في رسالة القضاء المشهورة، حين قال‏:‏ ‏"‏ فافهم إذا أدلي إليك إذ لا يتمكّن أيّ حاكم مهما كانت درجته من الحكم بالحقّ إلاّ بنوعين من الفهم ‏"‏‏.‏

النّوع الأوّل‏:‏ فهم الدّعوى الّتي عرضت عليه، وقد عبّر عنه ابن القيّم بفهم الواقع والفقه فيه‏.‏

الثّاني‏:‏ فهم الواجب في الواقع وهو فهم حكم اللّه الّذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في ذلك الواقع المتقدّم ذكره‏.‏

وقد حرص الفقهاء على توفير كلّ ما من شأنه أن يساعد على سلامة هذه المرحلة مرحلة سماع الدّعوى وفهمها فنبّهوا‏:‏

أوّلاً‏:‏ إلى أنّ سلامة السّمع والنّطق من الشّروط الّتي ينبغي أن تتوافر في القاضي لاستمرار ولايته، وهذا قول جمهور الفقهاء‏.‏

وثانياً‏:‏ إلى أنّه مأمور - إذا لم يدرك كلام أحد الخصمين - أن يطالبه بالإعادة حتّى يفهم عنه ما يقول فهماً كافياً‏.‏

وأخيراً أكّدوا على تجنّب ما من شأنه أن يشغل السّامع عن المتابعة والانتباه وحضور القلب واستصفاء الفكر كالغضب والجوع المفرط والعطش الشّديد والألم المزعج ومدافعة أحد الأخبثين، وشدّة النّعاس، والحزن والفرح وما إليها‏.‏

والأصل في ذلك كلّه قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «لا يقضي القاضي أو لا يحكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان» وقول عمر بن الخطّاب رضي الله عنه في رسالته المذكورة‏:‏ ‏"‏ إيّاك والغضب والقلق والضّجر والتّأذّي بالنّاس والتّنكّر لهم عند الخصومة ‏"‏‏.‏

الأمر الثّاني‏:‏ قبول الدّعوى من المدّعي يقال‏:‏ سمع القاضي دعوى فلان إذا قبلها، ويقال لم يسمعها إذا ردّها، كما يقال‏:‏ هذه دعوى مسموعة أي‏:‏ مستجمعة لشروط القبول، وتلك دعوى غير مسموعة أي‏:‏ أنّها لم تستكمل ما يطلب لسماعها‏.‏

وقد عرّف الفقهاء الدّعوى بتعريفات متقاربة يدعم بعضها البعض ويشرحه‏.‏

والّذي يتعيّن ذكره هنا أنّ الدّعوى - مهما كان نوعها - لا يتّجه سماعها ولا يتحتّم إلاّ في حالتين‏:‏ الأولى‏:‏ أن تكون صحيحةً مستجمعةً لشروطها‏.‏

والثّانية‏:‏ أن تكون مدعومةً ببيّنة شرعيّة تشهد بصدق دعوى المدّعي‏.‏

وانظر مصطلح ‏(‏دعوى‏)‏‏.‏

فسماع الدّعوى في الحالة الأولى يوجب للمدّعي طلب الجواب من المدّعى عليه مع حمله على اليمين إن أنكر، وفي الحالة الثّانية يوجب سماعها الحكم للمدّعي بمقتضى الحجّة الشّرعيّة الّتي أقامها‏.‏

سماع الشّهادة

12 - الشّهادة لا تجوز إلاّ بما علمه الشّاهد لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً‏}‏‏.‏ وقوله - جلّ ذكره -‏:‏ ‏{‏إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ‏}‏ وقوله سبحانه حكايةً عن قول إخوة يوسف‏:‏ ‏{‏وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا‏}‏ وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا علمت مثل الشّمس فاشهد وإلاّ فدع»‏.‏ والعلم الّذي تقع به الشّهادة يحصل بطريقتين‏:‏

أ - الرّؤية‏:‏

وتكون في الأفعال كالغصب والإتلاف والزّنا وشرب الخمر والسّرقة والإكراه ونحوها، كما تكون في الصّفات المرئيّة مثل العيوب في المبيع والمؤجّر وأحد الزّوجين‏.‏

ب - السّماع‏:‏ وهو نوعان‏:‏

أحدهما‏:‏ سماع الصّوت من المشهود عليه في الأقوال سواء أكان السّامع مبصراً أم غير مبصر مثل ما يقع به إبرام العقود كالبيع والإجارة والسّلم والرّهن وغيرها ممّا يحتاج فيه إلى سماع كلام المتعاقدين، إذا عرفها السّامع وتيقّن أنّها مصدر ما سمع‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏شهادة‏)‏‏.‏

الشّهادة بالسّماع - التّسامع

13 - وهي‏:‏ الشّهادة الّتي يكون طريقها حاسّة السّمع بما فيه الكفاية‏.‏

وينظر التّفصيل في مصطلح ‏(‏شهادة‏)‏‏.‏

سماع الغناء والموسيقى

14 - اختلف العلماء في حكم سماع الغناء والموسيقى على مذاهب تنظر في ‏(‏استماع، غناء، معازف‏)‏‏.‏

حكم سماع صوت المرأة

15 - سامع صوت المرأة إن كان يتلذّذ به أو خاف على نفسه فتنةً حرم عليه استماعه وإلاّ فلا‏.‏ وينظر التّفصيل في ‏(‏استماع‏)‏‏.‏

حكم سماع القرآن

16 - استماع القرآن عند تلاوته مطلوب شرعاً لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ‏}‏ ولاستماع القرآن آداب وأحكام مبيّنة تفصيلاً في مصطلح ‏(‏استماع، تلاوة، قرآن‏)‏‏.‏

حكم سماع الحديث

17 - إنّ سماع الحديث النّبويّ وطلب السّنن والآثار وإتقان ذلك وضبطه وحفظه ووعيه هو من فروض الكفاية لأنّ الشّريعة الّتي تعبّدنا اللّه بها متلقّاة من نبيّنا صلى الله عليه وسلم بصفته مبلّغاً ما نزّله اللّه عليه من وحي متلوّ معجز النّظام وهو القرآن الكريم، ووحي مرويّ ليس بمعجز ولا متلوّ ولكنّه مقروء مسموع وهو ما ورد عنه في الأحاديث والأخبار‏.‏ ومهمّة جمعه وتحصيله قد ألقيت على كواهل الأمّة وخاصّةً أعلامها وذوي القدرة من أبنائها، ولا يتمّ لهم ذلك إلاّ بالسّماع والتّقييد والحفظ والتّدوين‏.‏

وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «نضّر اللّه امرأً سمع منّا حديثاً فحفظه حتّى يبلّغه غيره، فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه وربّ حامل فقه ليس بفقيه»‏.‏

وفي رواية ثانية للتّرمذيّ عن ابن مسعود قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ «نضّر اللّه امرأً سمع منّا شيئاً فبلَّغه كما سمع فربّ مبلّغ أوعى من سامع»‏.‏

وحثّ عليه الصلاة والسلام على اعتماد هذا الطّريق أخذًا وعطاءً فقال‏:‏ فيما رواه عنه ابن عبّاس‏:‏ «تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممّن سمع منكم»‏.‏

ولا يخفى أنّ في الحديثين إشارةً إلى أنّه يراد للعلم الاستماع والإنصات والحفظ والعمل والنّشر‏.‏

وقد نصّ العلماء على اعتبار التّمييز في سماع الحديث فإن فهم الخطاب وردّ الجواب كان مميّزاً صحيح السّماع وإلاّ فلا، وهو رأي أغلب أهل العلم منهم موسى بن هارون وأحمد بن حنبل‏.‏

ونقل القاضي عياض أنّ أهل الصّنعة حدّدوا أوّل زمن يصحّ فيه السّماع بخمس سنين، وعلى هذا استقرّ العمل‏.‏ اعتماداً على ما رواه البخاريّ ومسلم عن محمود بن الرّبيع قال‏:‏ «عقلت من النّبيّ صلى الله عليه وسلم مجَّةً مجَّها في وجهي من دلو من بئر كانت في دارنا وأنا ابن خمس سنين»‏.‏ ولعلّهم رأوا هذا التّحديد بناءً على أنّه أدنى ما يحصل فيه ضبط ما يسمع وإلاّ فمردّ ذلك للعادة وحدها إذ الأمر يختلف باختلاف استعداد الأشخاص للأخذ والتّلقّي كما يختلف باختلاف طرق التّحمّل، وهي أنواع كثيرة ضبطها أهل الرّواية في ثمانية أقسام أوّلها‏:‏ سماع الحديث من لفظ الشّيخ وهو أرفع الأقسام عند جمهور أهل العلم وأدناها الوجادة‏.‏

أمّا السّنّ الّذي يستحبّ فيه أن يبتدئ الطّالب لسماع الحديث فقيل ثلاثون سنةً وقيل عشرون، وعليه قبل الشّروع في سماع الحديث أن يتخلّق بأخلاق أهله وأن يلتزم بزيّهم ويتأدّب بأدبهم وأن يلزم الوقار والسّكينة والمواظبة في طلبه وإخلاص النّيّة فيه والتّواضع لمن يأخذ عنه والصّبر على ما يلقاه في سبيله ونحو هذا ممّا يساعد على الاستفادة والإفادة وييسّر التّحمّل والتّحميل‏.‏

سماع اللّغو

18 - اللّغو من الكلام‏:‏ - ما لا يعتدّ به إمّا لأنّه يورد ارتجالاً عن غير رويّة ودون تثبّت وتفكير فيجري مجرى اللّغا الّذي يطلق على صوت العصافير ونحوها من الطّيور‏.‏

وإمّا لأنّه يورد في غير موضعه فيخرجه ذلك عن الصّواب كمن قال لصاحبه‏:‏ أنصت والإمام يخطب‏.‏ أو كمن دعا لأهل الدّنيا في خطبة الجمعة‏.‏

وقد يطلق اللّغو على كلّ كلام قبيح باطل، كالخوض في المعاصي، والسّبّ، والشّتم، والرّفث، وما إليها‏.‏ قال اللّه تعالى - في صفة المؤمنين -‏:‏ ‏{‏وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً‏}‏‏.‏ أي‏:‏ كنّوا عن القبيح، وتعفّفوا عن التّصريح به، وقيل معناه‏:‏ إذا صادفوا أهل اللّغو لم يخوضوا معهم في باطلهم أو في سقط كلامهم‏.‏

وما دام اللّغو بهذا المعنى الّذي لا يجلب نفعاً، ولا يدفع إثماً، ولا يتّصل بقصد صحيح، فإنّ سماعه كالخوض فيه لا يخرج حكمه عن الحظر والكراهة، تبعاً لشدّة اتّصاله بالمفاسد، وانفكاكه عنها‏.‏

والمؤمنون مطالبون بالإعراض عنه، والإحجام عن سماعه، والخوض فيه إطلاقاً لأنّه ليس من أخلاقهم ولا يتناسب - في أقلّ صوره - مع جدّهم وكمال نفوسهم‏.‏

قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ‏}‏‏.‏

وقال جلّ ذكره - في صفتهم -‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً‏}‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏{‏وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ‏}‏‏.‏

سَمْت

التّعريف

1 - من معاني السّمت في اللّغة‏:‏ القصد‏.‏ والمسامتة‏:‏ الموازاة والمقابلة، يقال‏:‏ سامت القبلة مسامتةً‏:‏ إذا استقبلها واتّجه نحوها‏.‏ وسمت سمته‏:‏ نحا نحوه، ويطلق السّمت على اتّباع الحقّ، والهدى، ففي حديث حذيفة‏:‏ «إنّ أشبه النّاس دلّاً وسمتاً وهدياً برسول اللّه صلى الله عليه وسلم لابن أمّ عبد»‏.‏

والسّمت أيضاً ‏"‏ هيئة أهل الخير ‏"‏ يقال‏:‏ رجل حسن السّمت‏:‏ وما أحسن سمته‏:‏ أي‏:‏ هديه‏.‏ والتّسميت ‏"‏ بالسّين والشّين ‏"‏، الدّعاء للعاطس‏.‏

والمعنى الاصطلاحيّ‏:‏ لا يخرج عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

2 - الاستقبال، والمحاذاة‏:‏ استقبال القبلة ومحاذاتها مرادفان لمسامتتها‏.‏

وينظر التّفصيل في ‏(‏استقبال‏)‏‏.‏

الحكم التّكليفيّ

3 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ مسامتة القبلة شرط في صحّة صلاة القادر على ذلك، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ‏}‏‏.‏ والتّفصيل في مصطلح ‏(‏استقبال‏)‏‏.‏

سِمْحاق

التّعريف

1 - السِّمحاق بكسر السّين وبالحاء المهملتين قشرة رقيقة فوق عظم الرّأس تفصل اللّحم عن العظم، وفي الاصطلاح‏:‏ تطلق عند جمهور الفقهاء على الشّجّة الّتي تصل إلى تلك القشرة، تقطع اللّحم ولا تصل إلى العظم‏.‏ ويسمّيها المالكيّة الملطاة أمّا السّمحاق عندهم‏:‏ فهي الّتي كشطت الجلد أي‏:‏ أزالته عن اللّحم‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

2 - الجروح الواردة على الوجه أو الرّأس، أي‏:‏ الشّجاج، تتنوّع حسب شدّتها وخفّتها إلى أنواع‏:‏ منها ما لم تصل إلى العظم كالحارصة، والدّامعة، والدّامية، والباضعة، والمتلاحمة، والسّمحاق، ومنها ما تصل إلى العظم كالموضحة والهاشمة والآمّة والمنقّلة‏.‏ وقد فصّلت أحكامها في مصطلحاتها‏.‏

الحكم الإجماليّ

3 - السّمحاق‏:‏ نوع من أنواع الشّجاج الّتي لا تجب فيها دية ولا أرش مقدّر عند جمهور الفقهاء، وإنّما تجب فيها حكومة عدل، سواء أكانت عمداً أم خطأً، لأنّه لم يرد فيها نصّ من الشّرع، ويصعب ضبطها وتقديرها، ولا يمكن إهدارها، فتجب فيها الحكومة‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ وهو قول عند الشّافعيّة ورواية عن محمّد من الحنفيّة ذكرها الموصليّ، يجب في عمدها القصاص، لإمكان ضبطها‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ ديات، وقصاص‏)‏‏.‏